السبت، 7 يناير 2017

خليفة ليوم واحد

خليفة ليوم واحد
الحلقة الثانية
ولد الطفل الامير في باحة النعيم في بيت الملك وموئل  الخلافة ونعم في طفولته بترف النشأة ورفاهية العيش  والحياة لكن الايام لم تمهله فقد أضمرت له ما عصفت بهذه النعمة وهذه الطمأنينة ولم يكن  ابن المعتز  قد جاوز الثمانية عندما روع بمقتل أبيه وبانتهاء حياة أبيه تنتهي المرحلة  المستقرة من طفولته وصباه وكانت هذه الفترة التي شهدت مولد الشاعر ذات أثر كبير في نفسيته وشكل شخصيته على النحو المتحرر المتردد.
لقد كانت فترة خطيرة شكلت حياته بظروفها المختلفة في مراحلها التالية.
وكان ابن المعتز يقول كلما تذكرت هذه الفترة.
وكانت يد الايام تغتل مرتي
                   فصارت يد الايام تنقضني نقضا
وينفى ابن المعتز بعد نكبته بأبيه مع جدته قبيحة الى مكة حتى أفضت الخلافة الى المعتمد الذي بعث يحملهم الى سامراء وقامت قبيحة على رعاية حفيدها.
تحنو عليه وتحضر له المعلمين في فروع الثقافة واللغة والادب والفقه والحديث.
انطلق ابن المعتز في ميدان الشهوات مندفعا وراء لذاته وذلك شأن الشباب  الماجن اللاهي في ذلك العصر وقد يكون في حياته مادفعه الى ذلك. 《اما سخط شديد على الحياة  السياسية واما شك واستهانة بكل شيء.
واما محنة نزلت به  او احساس بضرب من ضروب الاخفاق》
 لعل  لاصحابه من الشباب أثرهم في حياته اللاهية اذ كانو خليطا عجيبا من الشباب فيهم الشاعر وفيهم  المغني  وصانع الالحان وفيهم الخليع المتهتك الذي يطلق العنان لمجونه فلا تدري اهو انسان ام شيطان !!
وديوان ابن المعتز يطفح بوصف الدنان والكؤوس والسقاة والخمرة المسفوحة من مثل قوله:
شربنا بالكبير وبالصغير
                   ولم نحفل بأحداث الظهور
وقد ركضت بنا خيل  والملاهي
                   وقد طرنا بأجنحة السرور
لقد ظفرت الخمر من بين أسباب اللهو بالمكانة الثانية في نفس ابن المعتز بعد المرأة وفازت بحظ وافر من حفاوته ويرى ان فيها نفعا صحيحا فيقول《اول خصائص الشراب جودة الهضم ودفع مضرة الماء وازالة مكروه الادواء.》
لهذا فإنه يتفنن في تمجيدها ووصف مجلسها وكان من المدمنين على معاقرتها
حريصا على اقتناص اللذات يقول:
قم نصبطبح فليالي الوصل مقمرة
                   كأنها باجتماع الشمل  أسحار
والدههر في غفلة نامت حوادثه
             ونبهتنا الى اللذات اوتار
اما ترى اربعا للهو قد جمعت
               جنك وعود  وقانون ومزمار
فخذ بخط من الدنيا فلذتها
                 تفنى وتبقى روايات وأخبار
يدهم الشيب ابن المعتز في سن مبكرة ويحس بدبيب الشيخوخة في مأرب نفسه وخلجات قلبه وذلك قبل سن الثلاثين يقول:
ومشى الشيب قبل عقد الثلاثين
             فلما انتهى اليها اغذا
واكبر الظن ان الشيب عاجله في هذه السن  المبكرة نتيجة ما تعاوره من المصائب والنكبات وما كابده من هموم ولهذا فإنه لا يبالغ  حين يقول:
شيبتني ولم يشيبني السن
             هموم تترى ودهر مريد
وينزعج ابن المعتز ايما انزعاج عندما يشتعل رأسه شيبا يراه سيفا مصلتا على لذاته يقول
سل المشيب سيوفه
                       فسطا على اللذات سطوا
لكن ترى هل ارعوى ابن المعتز بشيبه هل تراجع عن الجري وراء  اللذة؟  ام ظل سادرا في غيه؟   اكبر الظن انه ظل حاشا ركابه الى صنوف اللهو ولم ينكص على عقبيه قليلا  الا بعد  ان لامه ذوو قربته من الخلفاء والامراء كان المعتضد اشد هؤلاء لوما له يقول ابن المعتز:
نهاني الامام عن سفه الكأس
                     فردت على السقاة المدام
عفتها مكرها ولذات عيش
                      قام بيني وبينهن الامام
 واخذ ابن المعتز يقضي جزءا غير يسير من وقته في الاطلاع والتفكير والتأليف ونظم الشعر واختلفت حياته في هذه المرحلة عن مرحلة الشباب  اللاهي  بشيء من الجد والعمل والنشاط الفكري واجتمعت حياته على نقيضين انحطاط  الجهال وثقافة المفكرين.
تابعوني في الحلقة القادمة وشكرا.
كتبت بقلم والدي الاستاذ عبد المجيد سالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق